هذه رسالةُ ملِكُ الموتِ فمن يتلقاها؟
منذ 3 سنوات
كثيرينَ همْ مَن لا نراهم ، ولكِننا نَسْتَدِلُ على وجودِهم مِن خلالِ صُنْعِهم ، نَسْتَدِلُ على وجودِهم مِن خلالِ الرسالةِ التى تركوها لنا ، ليقولونَ لنا أَنهم كانوا هُنا ، ومِن هؤلاءِ ملكُ الموت.
دَخَلَ عَلىَّ رَجلٌ وبَادرنى بتحيةِ الإسلام : السلام عليكم ورحمة الله ِ وبركاته ودارَ بينَنا هذا الحوار:-
الرجل: أُريدُكَ فى خدمةٍ إنسانيةٍ بسيطة.
أنا: تفضل.
الرجل: هُناكَ امرأَة ونريدُ أن نعرِفَ أحيةٌ هي أم ميتة.
أنا: إذهب إلى المَشفى سريعاً وهم سيقومونَ باللازم.
الرجل: يا دكتور هي كذلكَ منذُ ساعتين .
وحقيقةً إنتابنى رُعبٌ وخُوفٌ شديدٌ فأنا بطبيعةِ الحالِ أصبحتُ أتأثرُ بكُلِ شئٍ حتى ولو كان بسيطاً ، فاستعنتُ بالله وأجبتُ طَلبَه ، وعلى الرغمِ من قُربِ المكان إلا أننى أحسستُ أنى أقطعُ آلافَ الكيلومترات ، وأحْسَسْتُ بِثِقَلٍ شديدٍ فى قدمى فأسيرُ كما العاجِزْ ، وفى الطريقِ قُلُتُ له ، تركتموها ساعتين هكذا!!! ماذا دهاكم؟ ، ماذا حَلَ بِكم؟ ، فأتى جوابُه كالصاعقةِ التى تصيبُ الأرض فَتحرِقُها من فَرْطِ شِدِتها ، قال لى بالعامية (ده إحنا ما صدقنا يا دكتور ، عايشة بقالها كتير ، بقى عندها ٩٤ سنة ، كل شوية تتعب وما تموتش واحنا ما صدقنا بس لازم نتأكد عشان إنت عارف بقى الأمور إللى لازم تتعمل) فازداد هَمى وكَثُرَ غَمى ، وأَدْرَكتُ الدموعَ الزائِفَة والمظَاهِرَ الخَدَّاعَة ، أَدْرَكتُ حقيقةَ الإنسان ، لن ينفَعنا خلا العملُ الصالح ، وكُلُ واحِدٍ فينَا سَيكُبُر وسَيَصيرُ عبئاً على أَحْبابِه ، أَدركتُ واستشعرتُ حديثَ النبى صلى الله عليه وسلم «إذا مات إبنُ آدمَ إنقطعَ عمله إلا من ثلاث ومن بينها أو ولدٌ صالح يدعوا له» فَليسَ من السهلِ أن يكونَ لنا هذا الولد ، وهنا أودُ أَن أنتهِزَ الفرصةَ وأَبوحُ لكم بِسرْ ، واللهِ إنى لأتمنى أنه لو كانتِ القُلوبَ تُوهَبْ ، والأعمارَ تُعطى وتُمْنَح فأهَبَها لِأَبوىَّ عن طيب نفسٍ ورضا خَاطِر .
وصَلنَا إلى المنزِلِ فإذا بالرجال يمكثونَ على أعتابِهِ ولا تَبدُوا على أحدٍ منهم ملامِحُ الحزن ، ولا أبالغُ إنْ قُلتُ لكم أنَ الأَمر كان أشبهُ بفرح!!!
دخلتُ على السيدةِ فإذا بها نائِمَةٌ على فراشِها ومَغطاة ببطانيةٍ من منبتِ شَعرها حتى أخمصِ قدمها ، كَشفتُ الغطاءَ عن وجهها فإذا بها هادئة مطمئنة سَاكِنة ، كأنها تَنتظَرُ من يُوقِظُها ،
أَخذْتُ أَتحسسُ نَبْضَها وتَلقَيتُ رِسَالةَ ملِكُ الموتِ بأنهُ كانَ هُنَا وَقدْ أَخَذَ أَمانةَ الله ِ التى استودعها عَبدَتهُ تِلكْ ثُمَ أَعلنتُها ، خَرَجْتُ مِنْ عِندها كالمَضْرُوبِ على رأسهِ وهو بينَ حالتىّْ الوَعْىّْ واللاوَعْىّْ ، ضَاقَ صَدرىْ ، وَثَقُلَ جَسَدِى ، وَقُلْتُ فى نَفسى هذه رسالة مَلِكُ الموتِ فمن يَتلقاها قَبلَ أن يأتى إليهِ لِيأْخُذَها؟ .
أيها القارئ الكريم شاباً كُنتَ أو فتاة ، رجلاً كنتَ أو إمرأة ، أَعطِنى خيالكَ وسِرْ ، ضَعْ يَدكَ فى يدى لَعلنا نَفْهَمُ مَغْزَى الرِسالة قَبلَ فواتِ الأوانِ وهذا ما نرجوه.
تَخَيل لو أَنكَ تَجلسُ فى منزلكَ على إرتفاعٍ شَاهِقْ ولِيَكنْ مَثلاً عِشْرينَ طَابَقا ، بينَ الحين والآخر تَحْدُثُ هَزاتْ ، بَدأ جيرانُكَ بالبحثِ عن مكان آخر ورحلوا إليه ، ولكنكَ تراخيتَ وقُلتَ سأنتقل ولكن ليسَ الآن فالمنزل ما زالَ بهِ بَقايا أثرٍ من قوة ، وفجأةً وبينما أنتَ تَجْلِس إذا بالمبنى ينهار ، خَرَجتَ مهرولاً ولم تَستطع أن تَأْخُذَ شيئاً معك ، ثَم فجأةً وجَدتَ من شبابيكِ أحدِ الأَدْوار غُصْنَ شجرة ، فَقفزتَ إليهِ عَلَهُ يُنْجِيكْ ، ولكن للأسفِ لمْ يَكُنْ قوياً كفايةً لِيُحقِّقَ لكَ ما كنت ترجوا.
ُ المَنْزِلُ الذى كنتَ تمكثُ فيهِ تلكَ هى الدنيا ، والهزات رسالاتُ اللهِ إِليكْ صديقكَ فلانٌ قد مات ، الرضيع الذى وُلِدَ للتوِ قد ماتْ ، وجيرانُكَ هُمْ أنا وأنت ونحن ، مِنَّا من أدْركَ الرسالةَ وهرولَ إلى الله ِ وتابَ إِليهِ ففاز فوزاً عظيماً ومنا ما زالَ فى لهوهِ وغَيَّه نرجوا من الله أن يهديَه ، وظَنُكَ بأن المنزلَ ما زالَ بهِ بقايا أثرٍ من قوة هو عُمُرُكْ ، إننى ما زِلتُ شاباً سألهوا قليلاً ثمَ أتوب ، أما المبنى الذى ينهارَ فهذا مَلِكُ الموتِ قد أتاك ، وهَرولتُكْ هو سَعيُكَ وطَلبُكَ أنْ يُمْهِلُكَ ولو لحظةً لعلكَ تستعدُ ولكنَّ الأوان قد فات ، ذلكَ الغُصُنَ الذى رَجَوْتَ أن يكونَ طَوْقُ نجاتِكْ هى الأعمال الصالحة ، ولكنْ هيهات فإِنَّكَ لم تَسْقِها ولمْ تَرْعَها فَلمْ تَقْوى لِتُنْجِيك .
أخى الكريم ، الأخت الكريمة أَودُ أَنْ تقرأوا بقلوبكم قبل عقولكم لَعَلَ أَحدَنَا يتلقى الرسالة ، أَنتَ يا من تفتحَ هاتفك فتنظر إلى ما حرَّمَ رَبُّكْ ، أَنتِ يا مَن خَرجتِ من بيتكِ وتركتِ الحياء دَاخِلهُ فخَرجتِ وأنتِ ترتدينَ ثياباً تُظْهِرُ أَكَّثر مما تُخْفِى ، الرسولُ صلى الله عليهِ وسلمَ يقول«يُبعَثُ المرءُ على ما ماتَ عليه» فإن فَاضتْ أَرواحُكما وأنتما على هذه الهيئة فماذا ستقولونَ لربكم؟، وأختمُ بقولِ ربى جَلَّ شَأْنُهُ فى سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ )