كورونا ومشهد من القيامة
منذ 3 سنوات
للوهلةِ الأولى أيها القارئ ُ الكريم قد تنتابُك الدهشة ، وتظن أننى بالغتُ قليلاً في العنوان ، فأرجوا مِنك ألا تتسرعَ فى الحكم علىّ ، وسِرْ مَعى فى هذه الرحلة القصيرة بين الكلماتِ التالية:-
اللهُ تباركَ وتعالى يُرْسِلُ الآياتِ لتكونَ تذْكِرةً لعبادِه للعودةِ إليه سبحانَه حيثُ قالَ فى سورةِ الإسراء (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا )
فمن المفترض أن يكون هذا الفيروس طريقاً وسبيلاً للعودةِ إلى الله ، لكنَّ الواقعَ مغايِرٌ تماماً وبعيدٌ كلَ البُعدِ عن فهمِ الرسالة ، فنجد أنَّ هذا الذى خرجَ لِيُعَقِّمَ الناس ، خرج ومعهُ سماعةً كبيرةً يستمعُ من خلالها للأغانى ، فيأخذُ ذنبهُ وذنبَ من يسمع!!!
وهذا الذى خرجَ من بيتهِ ليقابلَ فتاتَهُ غيرَ عابئٍ بشئ ، وهذه خرجتْ فى زينتها لتنعمَ بِوصالِ القربِ من حبيبها ، وقد تناسَيا أنهُ مِنَ الممكنِ أنْ تخْرُجَ أرواحهما فى هذه الهيئة ، قد تناسيا قولَ النبى يُبْعَثُ المرءُ على ما ماتَ عليه ، فماذا سيقولون لله؟!
ومن هناك يسيرُ آخر متباهياً بسجائِره الفاخِرة ولا يُريدُ شيئاً سوى أن ينعمَ ببعضِ الأنفاسِ منها عَلَّها تُزِيحُ شيئاً عن كاهله!!
هذا الذى أخبرتُكمْ عنه لا يدخل المسجدَ إلا وقت الجمعة ، قد نسىَ الفيروس عندما خرجَ ليقابلَ حبيبته ، وعندما كان يَشْرَبُ سِجارتَهْ ، قد تذكرهُ الآن ، فكيفَ يُخَاطِرُ بنفسهِ ويذهبُ للصلاة!!!
لكنَّ ضميرَهُ قد أنَّبه ، أبعدَ أنْ هانتْ عليكَ الفرائض ستهونُ عليكَ الجمعةَ أيضا؟ ، وبعدَ لحظاتٍ دخلَ عليهِ والدَهُ موبخاً ، فخرجَ إلى المسجدِ ليؤدى الجمعة ، فإذا بالمؤذنِ يُنادى صلوا فى رحالكم ، وبعدَ سماعِ تلكَ الكلمةِ استبشرَ وجهه فالآن لن يتعرضَ للتوبيخ أو تأنيبِ الضمير ، وبينما هو عائدٌ فى طريقهِ للبيتِ إذا بطفلٍ جالسٍ على الأرضِ يبكى بشدة ويكَأنَهُ قد فقدَ عزيزاً عليه ، فتوجهَ نحوهُ وسأله هون عليكَ ما بك؟ ماذا حدث؟ ، فأشارَ إليهِ أن انظر ، فرفعَ رأسه وعادَ إليهِ متعجباً لا يوجد شئ ، وهنا توجَه الطفل إليهِ بالصراخِ وقالَ له:-
كيف لا يوجد شئ؟ أأصابك العمى؟!
ألا ترى هذه الورقة؟ فأعادَ النظرَ فإذا بورقةٍ على بابِ المسجدْ مكتوبٌ عليها (المسجد مغلق ، صلوا فى بيوتكم ، اللهم نجنا من الوباء)
وهنا ولأولِ مرة يتحرك قلبُ صاحبنا ويبكى:-
يبكى ندماً على ما فات ، وشوقاً لما هو ءات ، يبكى على التفريط في حق الله ، وكيف لطفلٍ صغيرٍ قلبهُ بحبِ الله ِ ينبض ويبكى بهذا الألم؟!
الوضعُ الآن مأساوى ، كَثُرَ البكاء والنحيب ، طُوَالَ حياتِنا نسمعُ حى على الصلاة فنتكاسل لتلبيةِ نداءِ الله ، وأحياناً لا نذهب أصلاً ، هذه حياتنا يمهلنا الله فيها حتى نتوب ونعودَ إليه ، وكل واحدِ منا يلهوا فى حياته ويؤخرُ توبتَه ، حتى إذا ما جاءَ الميعاد خرجتِ الروحُ وانتهى العمل ، والآن وقتُ الحسابِ على العملْ ، وكل واحدٍ يريد العودة ليتفنن فى إتقان العمل ولكن هيهات هيهات قد إنتهى الإمهالُ وحانَ وقتُ الحساب.
فعودوا إلى الله ِ عبادَ الله ، وتذكروا رسالة الله قبل فوات الأوان .
كانت الآيات نتلوها وتُتْلىٰ على مسامعنا ولا نشعرُ بها ، واليوم ندركها ونشعر بها بفضل الفيروس ، الله يقول عن يوم القيامة (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) سورة عبس
فلو أن أحدُهم مصاباً عافانا الله وإياكم أخذوه على الحجرِ الصحى ، بعيداً عن أبنائه وأحبابه ، بل ويتركونه دون محاولة للردع أو الإيقاف ، أوتعلم هذا هو المشهد يوم القيامة ، ستهرول على أبنائك ، على أبويك ، على زوجتك طلباً لحسنةٍ واحدة ، وكلهم سيفرُ منك ، وسيقول لكَ نفسى نفسى .
بإذن الله ستنفرجُ الغمة ، لكن حينما يُؤذنُ المؤذن الله أكبر ستخترقُ نياطَ القلبِ ، وتحركُ الفكرَ لندرك حقيقةً أن الله أكبر من أى شئ وكيف لا يكون وكل هذه الدنيا جزءٌ صغيرٌ من عظيم صُنعه، وحينما يصدحُ المؤذنُ حى على الصلاة ، ستغزو الطمأنينة ُ أوصالنا وستسجيب ُ الأجساد لتلبية نداء حى الفلاح ، حينها الإستجابة ستفوق الإستجابة الجسدية ، الإستجابة ستكون فكريةً ، قلبيةً ، روحية ، لن تكون إستجابتنا إستجابة إنسانٍ آلى يُلبى نداء صانِعِه ، وإنما ستكون إستجابةَ عابدٍ زاهدٍ طامعٍ فى جمال رؤيا خالقه.
هذه كلماتٌ خرجت من القلبِ وأرجوا من اللهِ أن تصل قلوبكم.